سورة الفرقان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا} يعني: كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك كذلك جعلنا، {لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} يعني: المشركين. قال مقاتل: يقول لا يَكْبُرَنَّ عليك، فإن الأنبياء قبلك قد لَقِيَتْ هذا من قومهم، فاصبر لأمري كما صبروا، فإني ناصرك وهاديك، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود. قال الله تعالى: {كَذَلِكَ} فَعَلْتُ، {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أي: أنزلناه متفرقًا ليقوى به قلبك فتعيه وتحفظه، فإن الكتب أنزلت على الأنبياء يكتبون ويقرءون، وأنزل الله القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور، ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأيسر على العامل به. {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} قال ابن عباس: بيَّنَّاه بيانًا، والترتيل: التبيين في ترسل وتثبت. وقال السدي: فصَّلناه تفصيلا. وقال مجاهد: بعضه في إثر بعض. وقال النخعي والحسن وقتادة: فرقناه تفريقًا، آيةً بعد آية. {وَلا يَأْتُونَكَ} يا محمد يعني: هؤلاء المشركين، {بِمَثَل} يضربونه في إبطال أمرك {إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} يعني بما ترد به ما جاءوا به من المثل وتبطله، فسمي ما يوردون من الشبه مثلا وسمي ما يدفع به الشبه حقًا، {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} أي: بيانًا وتفصيلا والتفسير: تفعيل، من الفَسْر، وهو كشف ما قد غطي. ثم ذكرَ مآل هؤلاء المشركين فقال: {الَّذِينَ} أي: هم الذين {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} فيساقون ويجرون، {إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} أي: مكانة ومنزلة، ويقال: منزلا ومصيرًا، {وَأَضَلُّ سَبِيلا} أخطأُ طريقًا.


{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} مُعِيَنًا وظهيرًا. {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} يعني القبط، {فَدَمَّرْنَاهُمْ} فيه إضمار، أي: فكذبوهما فدمرناهم، {تَدْمِيرًا} أهلكناهم إهلاكًا. {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} أي: الرسول، ومن كذب رسولا واحدًا فقد كذب جميع الرسل، فلذلك ذكر بلفظ الجمع. {أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} يعني: لمن بعدهم عبرة، {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} في الآخرة، {عَذَابًا أَلِيمًا} سوى ما حلَّ به من عاجل العذاب. {وَعَادًا وَثَمُودَ} أي: وأهلكنا عادًا وثمود، {وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} اختلفوا فيهم، قال وهب بن منبه: كانوا أهل بئر قعودًا عليها، وأصحابَ مواشي، يعبدون الأصنام، فوجَّه الله إليهم شعيبًا يدعوهم إلى الإسلام، فتمادوا في طغيانهم، وفي أذى شعيب عليه السلام، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت البئر، فخسف بهم وبديارهم ورباعهم، فهلكوا جميعًا. و{الرسُّ}: البئر، وكل ركية لم تُطْوَ بالحجارة والآجر فهو رسٌّ. وقال قتادة والكلبي: {الرس} بئر بفَلْج اليمامة، قتلوا نبيهم فأهلكهم الله عز وجل. وقال بعضهم: هم بقية ثمود قوم صالح، وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى في قوله: {وبئر معطلةٍ وقَصْرٍ مَشِيدْ} [الحج- 45]. وقال سعيد بن جبير: كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكهم الله تعالى. وقال كعب ومقاتل والسدي: {الرس}: بئر بإنطاكية قتلوا فيها حبيبًا النجار، وهم الذين ذكرهم الله في سورة يس. وقيل: هم أصحاب الأخدود، والرسُّ هو الأخدود الذي حفروه. وقال عكرمة: هم قوم رسّوا نبيهم في بئر. وقيل: الرسُّ المعدن، وجمعه رساس.
{وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} أي: وأهلكنا قرونًا كثيرًا بين عاد وأصحاب الرس.


{وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ} أي: الأشباه في إقامة الحجة عليهم، فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار {وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} أي: أهلكنا إهلاكًا. وقال الأخفش: كسرنا تكسيرًا. قال الزجاج: كل شيء كسرتُه وفتَّته فقد تبَّرتَه. {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} يعني الحجارة، وهي قريات قوم لوط، وكانت خمس قرى، فأهلك الله أربعًا منها، ونجت واحدة، وهي أصغرها، وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث، {أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا} إذ مروا بهم في أسفارهم فيعتبروا ويتذكروا، لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم عند ممرهم إلى الشام، {بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ} لا يخافون، {نُشُورًا} بعثًا. قوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ} يعني: ما يتخذونك، {إِلا هُزُوًا} أي: مهزوءًا به، نزلت في أبي جهلٍ، كان إذ مرَّ بأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مستهزئًا: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا}؟! {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا} أي: قد قارب أن يضلنا، {عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} أي: لو لم نصبر عليها لصرفنا عنها، {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا} من أَخطأُ طريقًا. {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر فإذا رأى حجرًا أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر فعبده. وقال ابن عباس: أرأيت من ترك عبادة الله وخالقه ثم هوي حجرًا فعبده ما حاله عندي؟ {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا} أي: حافظًا، يقول: أفأنت عليه كفيل تحفظه من اتباع هواه وعبادة من يهوى من دون الله؟ أي: لست كذلك. قال الكلبي: نسختها آية القتال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8